Article
PoliticsPublished on June 06, 2025
By: Rabih Dandachli
يتناول هذا المقال مقارنة بين السياق السياسي الذي أوصل أحمد الشرع إلى رئاسة سوريا، وجوزيف عون إلى رئاسة لبنان، في ضوء الفروقات الجوهرية في البنية الدستورية، والشرعية السياسية، والقدرة على ممارسة الحكم. لا يقف المقال عند سمات الشخصيتين، بل يتعمّق في تحليل السياقات: صعود الشرع عبر انتصار عسكري مدعوم من تحالفات إقليمية ودولية، مقابل انتخاب عون في إطار نظام طائفي عاجز عن اتخاذ القرار. كما يُسلّط الضوء على هشاشة الحكومة اللبنانية، واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية، وتضاؤل الثقة الخارجية بلبنان، مقابل تصاعد الاهتمام بسوريا كدولة تستعيد مركزيتها رغم محدودية مواردها
أولًا: رئاسة تولد من الميدان
في سوريا، لم تأتِ رئاسة أحمد الشرع نتيجة تسوية داخلية أو مشاورات نخبوية، بل كانت ثمرة مسار طويل من المواجهات، التنظيم، والتحالفات. فمنذ تموضعه في الشمال السوري، عمل الشرع على بناء قوة عسكرية منظمة وتحالف سياسي متماسك مدعوم من تركيا، وعدد من الدول الخليجية، وأطراف دولية أخرى. ومع انهيار الجيش السوري النظامي، تسارعت خطواته نحو دمشق. لم يكن استيلاؤه على الحكم صدفة، بل نتاج تخطيط مدروس وصراع مباشر حسم المشهد لصالحه. الرئيس الشرع جاء من قلب الحدث، محاطًا بشرعية النصر، وقادرًا على اتخاذ القرار وتنفيذه. لا تُقيّده تفاهمات طائفية أو صفقات محاصصة كما هو الحال في لبنان. يمتلك جيشًا موحدًا، ومؤسسات تُدار من مركزية واضحة، ويحظى بتعامل دولي فعلي مع كونه رأس الدولة الجديدة. ومع ذلك، لا تزال سوريا تواجه تحديات كبيرة على مستوى الاقتصاد، والحوكمة، وغياب الحياة السياسية التعددية، ما يجعل إعادة بناء الثقة الداخلية والدولية عملية طويلة ومعقدة
ثانيًا: رئاسة تولد من التوازنات
أما في لبنان، فإن وصول جوزيف عون إلى قصر بعبدا لم يكن نتيجة مشروع سياسي واضح، ولا تعبيرًا عن إرادة شعبية متماسكة. هو ثمرة تسوية شديدة التعقيد، بين قوى سياسية وطائفية متضادة، تسعى كل منها إلى حماية حصتها في النظام. قبل انتخابه، سارعت قوى الأمر الواقع، إلى تأكيد دعمها له علنًا، باعتباره خيارها وتذكيرًا بأن لها الفضل في انتخابه، في غياب خيار الدولة. عون، العسكري السابق القادم أيضًا من الميدان، يفتقر في موقعه الحالي إلى أي صلاحية تنفيذية حقيقية. على عكس نظيره السوري، فكل قرار مرهون بتوازن دقيق داخل الحكومة، وكل مبادرة مشروطة برضا الكتل النيابية والطائفية، ناهيك عن تأثير السلاح الخارج عن سلطة الدولة. رئاسته تمثّل صورة رمزية أكثر منها فعلية، في بلد يفتقر أصلًا إلى سلطة تنفيذية متماسكة
ثالثًا: حكومة رمادية بانتظار الانتخابات
الحكومة اللبنانية الحالية تشبه جسدًا بلا روح: تعمل وفق منطق إدارة الأزمات لا وفق خطة سياسية واضحة. هي حكومة توافقية، هشّة، تشكّلت فقط لكسر الجمود، وتعيش على هامش الفعل السياسي الحقيقي. يُنظر إليها كسلطة انتقالية بانتظار الانتخابات النيابية القادمة. لا تمتلك هذه الحكومة القدرة على اتخاذ قرارات مصيرية، لا في الاقتصاد، ولا في السياسة الخارجية، ولا حتى في ملفات أمنية بديهية. كل وزير يمثّل جهة، وكل جهة تمثّل طائفة، وكل طائفة تمثّل ما تبقى من دولة تعاني من الإنهاك
رابعًا: الاعتداءات الإسرائيلية وحدود الدولة
يعيش لبنان تحت وقع اعتداءات إسرائيلية متكررة، تطال مناطقه الجنوبية وتتمدد أحيانًا شمالًا. هذه الهجمات لا تلقى ردًا رسميًا موحدًا، بل تُقابل بصمت حكومي أو بردود لفظية من أطراف غير الدولة. هذا الواقع يُبرز مأزق السيادة في لبنان: الدولة لا تحمي أراضيها، ولا تعترض على خروقات، ولا تملك حتى حق الاعتراض الكامل، لأنها مُقيّدة بسلاح وواقع سياسي مفروض. الرئاسة اللبنانية، في ظل هذا السياق، تصبح موقعًا بلا مضمون. رئيس الدولة لا يقود ردًا سياسيًا أو دبلوماسيًا، ولا يستطيع مخاطبة المجتمع الدولي إلا ضمن حدود ترسمها القوى الداخلية
خامسًا: الخارج يرى الفرق
في مقابل الانكفاء المتزايد عن لبنان، تزداد المؤشرات على اهتمام دولي متزايد بسوريا بقيادة الشرع. ليس لأن سوريا تحوّلت فجأة إلى نموذج مثالي، بل لأنها باتت دولة ذات قرار مركزي يمكن التفاوض معه. الدول تبحث عن شريك واضح، حتى لو لم يكن نظامًا ديمقراطيًا بالمعايير الغربية، على أن تتعامل مع نظام مشلول لا يعرف ماذا يريد. هذا الاهتمام تُرجم بزيارات رسمية، قنوات تواصل مفتوحة، وحديث عن مشاريع إعادة إعمار، وصفقات طاقة، واستثمارات استراتيجية. لكن هذا لا يلغي أن النظام السوري ما زال موضع جدل دولي، وتحت مراقبة دائمة فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان والشفافية، ما يضعه أمام تحديات مزمنة تتطلب معالجة حقيقية على المدى الطويل. أما لبنان، فبات خارج دائرة الأولويات، يُنتظر فقط أن يُنهي انتخاباته المقبلة لتُعاد قراءة خرائط القوى فيه، وربما يُمنح فرصة جديدة إن وُجد شريك موثوق
سادسًا: المفارقة بين الموارد والرؤية
المفارقة الكبرى أن سوريا الخارجة من حرب طاحنة، بموارد محدودة، استطاعت أن تُعيد مركزية السلطة وأن تُعيد تشكيل صورتها في الخارج. بينما لبنان، برغم ما يمتلكه من طاقات بشرية، وموقع جغرافي، وبنية تحتية موروثة، يُدار بلا رؤية. الدولة فيه معطّلة، والرؤية غائبة، والمستقبل معلّق بانتظار توافق لا يأتي. الرؤية السياسية الواضحة، والقرار المركزي، هما العاملان اللذان يصنعان الفارق. سوريا اختارت نموذج "الدولة القادرة"، ولبنان لا يزال عالقًا في نموذج "الدولة الموزعة"
خاتمة: سلطة تصنع الدولة... أو تحبسها
ليست القضية هنا من هو أحمد الشرع أو من هو جوزيف عون، بل أي دولة تحكمها السلطة وأي سلطة تحكم الدولة. سوريا اليوم تعود إلى الخريطة السياسية بقوة الفعل والقرار، ولبنان يخرج منها بصمت، بسبب العجز والتردّد والانقسام. في زمن التوازنات الجديدة، لم يعد يكفي أن تملك الشرعية الدستورية، بل أن تملك القدرة على الحكم. الشرعية بلا فعالية تتحول إلى عبء، أما القدرة على القرار فهي ما يعيد للدولة مكانتها. وهذا ما يفتقده لبنان، ويمتلكه النظام السوري الجديد.
If you have any query about our service please contact with us
May 13, 2025
By Ziad Hariri
June 03, 2025
By Ziad Hariri
June 08, 2025
By Ziad Hariri